فصل: في رياض آيات السورة الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.في رياض آيات السورة الكريمة:

.فصل في أسرار ترتيب السورة:

قال السيوطي:
سورة هود:
أقول: وجه وضعها بعد سورة يونس زيادة على الأوجه الستة السابقة: أن سورة يونس ذكر فيها قصة نوح مختصرة جدًا، مجملة، فشرحت في هذه السورة وبسطت بما لم يبسطه في غيرها من السور، ولا في سورة الأعراف على طولها، ولا في سورة {إِنَّا أَرسَلنا نوحًا} التي أفردت لقصته فكانت هذه السورة شارحة لما أجمل في سورة يونس فإن قوله هناك: {واتَبِع ما يوحى إِليك} هو عين قوله هنا: {كتابٌ أُحكِمَت آياتهُ ثُمَ فُصِلت مِن لدن حكيم خبير} فكان أول هود تفصيلًا لخاتمة يونس. اهـ.

.تفسير الآيات (1- 2):

قوله تعالى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
{بسم الله} أي الذي له تمام العلم وكمال الحكمة وجميه القدرة {الرحمن} لجميع خلقه بعموم البشارة والنذارة {الرحيم} لأهل ولايته بالحفظ في سلوك سبيله لما ختمت السورة التي قبلها- كما ترى- بالحث على اتباع الكتاب ولزومه والصبر على ما يتعقب ذلك من مرائر الضير المؤدية إلى مفاوز الخير اعتمادًا على المتصف بالجلال والكبرياء والكمال.
ابتدئت هذه بوصفه بما يرغب فيه، فقال بعد الإشارة إلى إعادة القرع بالتحدي على ما سلف في البقرة: {كتاب} أي عظيم جامع لكل خير، ثم وصفه بقوله: {أحكمت} بناه للمفعول بيانًا لأن إحكامه أمر قد فرغ منه على أيسر وجه عنه سبحانه وأتقن إتقانًا لا مزيد عليه: {آياته} أي أتقنت إتقانًا لا نقص معه فلا ينقصها الذي أنزلها بنسخها كلها بكتاب آخر ولا غيره، ولا يستطيع غيره نقص شيء منها ولا الطعن في شيء من بلاغتها أو فصاحتها بشيء يقبل، والمراد ب: {محكمات} في آل عمران عدم التشابه.
ولما كان للتفصيل رتبة هي في غاية العظمة، أتي بأداة التراخي فقال: {ثم} أي وبعد هذه الرتبة العالية التي لم يشاركه في مجموعها كتاب جعلت له رتبة أعلى منها جدًا بحيث لم يشاركه في شيء منها كتاب وذلك أنه: {فصلت} أي جعلت لها- مع كونها مفصلة إلى حلال وحرام وقصص وأمثال- فواصل ونهايات تكون بها مفارقة لما بعدها وما قبلها، يفهم منها علوم جمة ومعارف مهمة وإشارات إلى أحوال عالية، وموارد عذبة صافية، ومقامات من كل علة شافية، كما تفصل القلائد بالفرائد، وهذا التفصيل لم يشاركه في شيء منه شيء من الكتب السالفة، بل هي مدمجة إدماجًا لا فواصل لها كما يعرف ذلك من طالعها، ويكفي في معرفة ذلك ما سقته منها في تضاعيف هذا الكتاب، وما أنسب ختام هذه الآية للإحكام والتفصيل بقوله: {من لدن} أي نزلت آياته محكمة مفصلة حال كونها مبتدئة من حضرة هي أغرب الحضرات الكائنة من إله: {حكيم خبير} منتهية إليك وأنت أعلى الناس في كل وصف فلذلك لا يلحق إحكامها ولا تفصيلها، أرسلناك به قائلًا: {ألا تعبدوا} أي بوجه من الوجوه: {إلا الله} أي الإله الأعظم.
ولما كان هذا معظم ما أرسل به صلى الله عليه وسلم ومداره، استأنف الإخبار بأنه أرسله سبحانه مؤكدًا له لأجل إنكارهم فقال: {إنني} ولما كان إرساله صلى الله عليه وسلم لأجل رحمة العالمين، قدم ضميرهم فقال: {لكم منه} أي خاصة، ثم أجمل القرآن كله في وصفيه صلى الله عليه مسلم بقوله: مفدمًا ما هو أنسب لختام التي قبلها بالصبر: {نذير وبشير} كامل في كل من الوصفين غاية الكمال، وهذا التقدير يرشد إليه قوله تعالى أول التي قبلها: {أكان للناس عجبًا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس} [يونس: 2] مع إيضاحه لما عطف عليه قوله تعالى: {ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه أن} [هود: 25] عطفناه عليه، وإظهاره لفائدة عطفه كما سيأتي إن شاء الله تعالى، ويرجح أن {لا} ناهية جازمة ل: {تعبدوا} عطف: {أن استغفروا} عليه، فقد ظهر من تلويح هذا وتصريحه وتصريح ما في بقية السورة أن مقصودها وصف الكتاب بالإحكام والتفصيل بما يعجز الخلق لأنه من عند من هو شامل العلم كامل القدرة فهو بالغ الحكمة يعيد الخلق للجزاء كما بدأهم للعمل فوجب إفراده بالعبادة وأن يمتثل جميع أمره، ولا يترك شيء منه رجاء إقبال أحد ولا خوف إدباره، ولا يخشى غيره.
ولا يركن إلى سواه، على ذلك مضى جميع النبيين ودرج سائر المرسلين صلى الله عليه وسلم أجمعين. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال العلامة النيسابوري رحمه الله:

.القراءات:

{وإن تولوا} بإظهار النون وتشديد التاء: البزي وابن فليح: {فإني أخاف} بفتح الياء، أبو عمرو وأبو جعفر ونافع وابن كثير: {عني إنه} بفتح الياء: أبو جعفر ونافع وابو عمرو.

.الوقوف:

{آلر} ق كوفي: {خبير} o لا بناء على أنّ ألا يتعلق بما قبله: {إلا الله} ط {وبشير} o لا للعطف: {فضله} ج {كبير} o {مرجعكم} ج لاحتمال الحال والاستئناف: {قدير} o {منه} ط {ثيابهم} لا بناء على أن عامل: {حين} قوله: {يعلم}، {يعلنون} ج {الصدور} o {ومستودعها} ط {مبين} o {عملًا} ط {مبين} o {ما يحبسه} ط {يستهزؤون} o {منه} ج لحذف جواب: {لئن} أي لييأسن. وقيل: جوابها إنه والأول أوجه: {كفور} o {عني} ط {فخور} لا للاستثناء: {الصالحات} ط {كبير} o {ملك} ط {نذير} o {وكيل} o ط {أم} استفهام تقريع: {افتراه} ط {صادقين} o {إلا هو} ج ط للاستفهام مع الفاء: {مسلمون} o {يبخسون} o {إلا النار} ز بناء على أن {ليس} بمنزلة حرف النفي والوصل أوجه لأن {ليس} فعل ماض وهو مع ما عطف عليه المجموع جزاء: {يعملون} o {رحمة} ط {يؤمنون به} ط {موعده} ج لاختلاف الجملتين مع الفاء: {لا يؤمنون} o {كذبًا} ط {على ربهم} الثاني ج لأن ما بعده يحتمل أن يكون من قول الاشهاد أو ابتداء إخبار: {الظالمين} o لا {عوجًا} ط {من أولياء} م لئلا يوهم أن ما بعده صفة أولياء: {العذاب} ط {يبصرون} o {يفرون} o {الأخسرون} o {إلى ربهم} لا لأن ما بعده خبر {إن}، {الجنة} ج {خالدون} o {والسميع} ط {مثلًا} ط {تذكرون} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)}
في الآية مسائل:
المسألة الأولى:
اعلم أن قوله: {الر} اسم للسورة وهو مبتدأ.
وقوله: {كِتَابٌ} خبره، وقوله: {أُحْكِمَتْ ءاياته ثم فُصلتْ} صفة للكتاب.
قال الزجاج: لا يجوز أن يقال: {الر} مبتدأ، وقوله: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءاياته ثُمَّ فُصّلَتْ} خبر، لأن: {الر} ليس هو الموصوف بهذه الصفة وحده؛ وهذا الاعتراض فاسد، لأنه ليس من شرط كون الشيء مبتدأ أن يكون خبره محصورًا فيه، ولا أدري كيف وقع للزجاج هذا السؤال، ثم إن الزجاج اختار قولًا آخر وهو أن يكون التقدير: الر هذا كتاب أحكمت آياته، وعندي أن هذا القول ضعيف لوجهين: الأول: أن على هذا التقدير يقع قوله: {الر} كلامًا باطلًا لا فائدة فيه، والثاني: أنك إذا قلت هذا كتاب، فقوله: {هذا} يكون إشارة إلى أقرب المذكورات، وذلك هو قوله: {الر} فيصير حينئذ: {الر} مخبرًا عنه بأنه كتاب أحكمت آياته، فيلزمه على هذا القول ما لم يرض به في القول الأول، فثبت أن الصواب ما ذكرناه.
المسألة الثانية:
في قوله: {أحكمت آياته} وجوه: الأول: {أحكمت آياته} نظمت نظمًا رصيفًا محكمًا لا يقع فيه نقص ولا خلل، كالبناء المحكم المرصف.
الثاني: أن الإحكام عبارة عن منع الفساد من الشيء.
فقوله: {أحكمت آياته} أي لم تنسخ بكتاب كما نسخت الكتب والشرائع بها.
واعلم أن على هذا الوجه لا يكون كل الكتاب محكمًا، لأنه حصل فيه آيات منسوخة، إلا أنه لما كان الغالب كذلك صح إطلاق هذا الوصف عليه إجراء للحكم الثابت في الغالب مجرى الحكم الثابت في الكل.
الثالث: قال صاحب الكشاف: {أُحْكِمَتْ} يجوز أن يكون نقلًا بالهمزة من حكم بضم الكاف إذا صار حكيمًا، أي جعلت حكيمة، كقوله: {آيات الكتاب الحكيم} [يونس: 1] الرابع: جعلت آياته محكمة في أمور: أحدها: أن معاني هذا الكتاب هي التوحيد، والعدل، والنبوة، والمعاد، وهذه المعاني لا تقبل النسخ، فهي في غاية الإحكام، وثانيها: أن الآيات الواردة فيه غير متناقضة، والتناقض ضد الإحكام فإذا خلت آياته عن التناقض فقد حصل الإحكام.
وثالثها: أن ألفاظ هذه الآيات بلغت في الفصاحة والجزالة إلى حيث لا تقبل المعارضة، وهذا أيضًا مشعر بالقوة والإحكام.
ورابعها: أن العلوم الدينية إما نظرية وإما عملية.
أما النظرية فهي معرفة الإله تعالى ومعرفة الملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر، وهذا الكتاب مشتمل على شرائف هذه العلوم ولطائفها، وأما العملية فهي إما أن تكون عبارة عن تهذيب الأعمال الظاهرة وهو الفقه، أو عن تهذيب الأحوال الباطنة وهي علم التصفية ورياضة النفس، ولا نجد كتابًا في العالم يساوي هذا الكتاب في هذه المطالب، فثبت أن هذا الكتاب مشتمل على أشرف المطالب الروحانية وأعلى المباحث الإلهية، فكان كتابًا محكمًا غير قابل للنقض والهدم.
وتمام الكلام في تفسير المحكم ذكرناه في تفسير قوله تعالى: {هُوَ الذى أَنزَلَ عَلَيْكَ الكتاب مِنْهُ آيات محكمات} [آل عمران: 7].
المسألة الثالثة:
في قوله: {فُصّلَتْ} وجوه: أحدها: أن هذا الكتاب فصل كما تفصل الدلائل بالفوائد الروحانية، وهي دلائل التوحيد والنبوة والأحكام والمواعظ والقصص.
والثاني: أنها جعلت فصولًا سورة سورة، وآية آية.
الثالث: {فُصّلَتْ} بمعنى أنها فرقت في التنزيل وما نزلت جملة واحدة، ونظيره قوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ءايات مّفَصَّلاَتٍ} [الأعراف: 133] والمعنى مجيء هذه الآيات متفرقة متعاقبة.
الرابع: فصل ما يحتاج إليه العباد أي جعلت مبينة ملخصة.
الخامس: جعلت فصولًا حلالًا وحرامًا، وأمثالًا وترغيبًا، وترهيبًا ومواعظ، وأمرًا ونهيًا لكل معنى فيها فصل، قد أفرد به غير مختلط بغيره حتى تستكمل فوائد كل واحد منها، ويحصل الوقوف على كل باب واحد منها على الوجه الأكمل.
المسألة الرابعة:
معنى: {ثُمَّ} في قوله: {ثُمَّ فُصّلَتْ} ليس للتراخي في الوقت، لكن في الحال كما تقول: هي محكمة أحسن الإحكام، ثم مفصلة أحسن التفصيل، وكما تقول: فلان كريم الأصل ثم كريم الفعل.
المسألة الخامسة:
قال صاحب الكشاف: قرئ: {أُحْكِمَتْ ءاياته ثم فُصلتْ} أي أحكمتها أنا ثم فصلتها، وعن عكرمة والضحاك: {ثُمَّ فُصّلَتْ} أي فرقت بين الحق والباطل.
المسألة السادسة:
احتج الجبائي بهذه الآية على أن القرآن محدث مخلوق من ثلاثة أوجه: الأول: قال المحكم: هو الذي أتقنه فاعله، ولولا أن الله تعالى يحدث هذا القرآن وإلا لم يصح ذلك لأن الإحكام لا يكون إلا في الأفعال، ولا يجوز أن يقال: كان موجودًا غير محكم ثم جعله الله محكمًا، لأن هذا يقتضي في بعضه الذي جعله محكمًا أن يكون محدثًا، ولم يقل أحد بأن القرآن بعضه قديم وبعضه محدث.
الثاني: أن قوله: {ثُمَّ فُصّلَتْ} يدل على أنه حصل فيه انفصال وافتراق، ويدل على أن ذلك الانفصال والافتراق إنما حصل بجعل جاعل، وتكوين مكون، وذلك أيضًا يدل على المطلوب.
الثالث: قوله: {مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} والمراد من عنده، والقديم لا يجوز أن يقال: إنه حصل من عند قديم آخر، لأنهما لو كانا قديمين لم يكن القول بأن أحدهما حصل من عند الآخر أولى من العكس.
أجاب أصحابنا بأن هذه النعوت عائدة إلى هذه الحروف والأصوات ونحن معترفون بأنها محدثة مخلوقة، وإنما الذي ندعي قدمه أمر آخر سوى هذه الحروف والأصوات.
المسألة السابعة:
قال صاحب الكشاف قوله: {مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} يحتمل وجوهًا: الأول: أنا ذكرنا أن قوله: {كِتَابٌ} خبر و: {أُحْكِمَتْ} صفة لهذا الخبر، وقوله: {مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} صفة ثانية والتقدير: الر كتاب من لدن حكيم خبير.
والثاني: أن يكون خبرًا بعد خبر والتقدير: الر من لدن حكيم خبير.
والثالث: أن يكون ذلك صفة لقوله: {أحكمت}، و{فصلت} أي أحكمت وفصلت من لدن حكيم خبير، وعلى هذا التقدير فقد حصل بين أول هذه الآية وبين آخرها نكتة لطيفة كأنه يقول أحكمت آياته من لدن حكيم وفصلت من لدن خبير عالم بكيفيات الأمور.